12 - 05 - 2025

عجاجيات| دعوة للتفكير فى المستقبل

عجاجيات| دعوة للتفكير فى المستقبل

مات الزعيم جمال عبدالناصر (البعض قال إنه مات أثر غيبوبة سكر والبعض قال إنه تعرض لعملية اغتيال بسم بطيء المفعول) وانتقل إلى جوار ربه فى اليوم والساعة والدقيقة والثانية التى كتبها الله له.. وحظى ناصر بواحدة من أكبر الجنازات فى التاريخ وتناوب على سرادق العزاء الضخم الذى أقيم له أمام قصر عابدين كل عمالقة التلاوة وصولا لذكرى الأربعين.

وقبل جمال عبدالناصر مات رفيقه وصديق عمره المشير عبدالحكيم عامر (قيل انتحر وقيل بل انتحروه وقتلوه) وشاءت الأقدار ألا تنظم له جنازة عسكرية ولا جنازة شعبية.. والمؤكد انه لبى نداء ربه بلا تقديم أو تأخير.

ومات بطل الحرب والسلام الرئيس محمد أنور السادات الذى استشهد فى يوم عرسه ويوم نصره على يد الإرهاب الأعمى المضلل، وهو  فى كامل أناقته وشموخه فى الزي العسكرى.. وشاءت الأقدار ألا تكون جنازته شعبية مثل جنازة عبدالناصر وشاءت الأقدار أن يدفن على بعد أمتار من المكان الذى استشهد فيه وفى رحاب النصب التذكاري للجندي المجهول، أو بالأحرى لشهداء مصر الذين ضحوا بدمائهم حتى تكون دائما وابدا مرفوعة الرأس عالية صواريها خفاقة أعلامها. 

وشاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يموت الرئيس الأسبق أو الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسى فى قاعة محكمة تسجل الكاميرات كل وقائعها ودقائقها.. وفى يقينى أن الرجل مات فى ميعاده وطبقا لأجله بلا تقديم أو تأخير.. ولو تصورنا جدلا أنه استمر فى منصبه كرئيس للجمهورية، لمات فى نفس اليوم ونفس الساعة ونفس الثانية، فالموت لا يفرق بين سجين ورئيس أو ملك أو سلطان، فكل نفس ذائقة الموت ولكل أجل كتاب. كان الموت سيأتيه في موعده ولو كان يعالج فى أعظم مستشفيات العالم وعلى يد أكبر أطباء العالم، فالطب يقف عاجزا أمام الموت الذى كتبه الله على العباد صغيرهم وكبيرهم، قويهم وضعيفهم، غنيهم وفقيرهم، سقيمهم وصحيحهم.

وأحسب أن كثيرين غابت عنهم تلك الحقائق الدامغة عن الموت وهم يتجادلون ويتنابزون.. بعضهم خسف بالرجل الأرض وشيعة بأبشع الأوصاف والشتائم، وبعضهم بالغ فى رفع الرجل مكانا عليا وأنزله منزلة الأنبياء والصحابة وأولياء الله الصالحين.. بعضهم لم يخف فرحته وشماتته فى موت الرجل، وبعضهم كال الاتهامات من عينة الرجل تعرض للاغتيال، والرجل تعرض للقتل...وهذا الجدل وهذا التنابز الخشن غذي بإعلام متطرف وغير مهنى، مساند بلا وعى لهذا الفريق وذاك الفريق.

وهذا التباين الشديد انعكس أيضا على ردود الفعل العربية والإسلامية والدولية سواء على الصعيد الرسمى أو الصعيد غير الرسمى.. والحقيقة المؤكدة أن الرجل جاء أجله وحانت ساعته، فلبى نداء ربه بلا تقديم أو تأخير.. والحقيقة المؤكدة أنه لن يكون الميت الأخير، فالكل سيلحق به عندما يحين أجله المحدد فى علم الله بدقة بالغة.

وعلينا وبهدوء، أن نفكر فيما هو قادم ونحلل وقائع الأيام والساعات القليلة الماضية لعل ذلك يفيدنا فى التعامل مع المستقبل.. مثلا قد يرى من تلك الوقائع أن يطلب رؤساء المحاكم وجود فريق طبى من تخصصات مختلفة، لمواجهة أى طارئ قد ينال أحد المتهمين خاصة من كبار السن أو أحد الحراس أو حتى أحد القضاة أو المحامين، وقد يرى إتاحة فرصة أكبر للإعلام لتغطية بعض المحاكمات، وقد يرى الاحتفاظ بصندوق أسود يسجل كل ما يدور فى أروقة المحكمة وفى قفص الاتهام، وقد يرى الإفراج الصحى عن بعض المتهمين أصحاب الحالات الصحية الحرجة مع اتخاذ الضمانات الكافية بشأنهم من قبيل الإقامة الجبرية مثلا.

والأهم من كل ذلك التفكير فى منع تشظى الشعب المصرى وانقسامه إلى شيع وأعداء، حتى ولو على صفحات التواصل الاجتماعي، والتفكير فى سبيل للحفاظ على القيم المصرية الأصيلة وإزالة ما علق بها من ران وشوائب ومشاعر وألفاظ كريهة.. والإيمان العميق بأن كل من عليها فان وزائل، وستبقى مصر الكنانة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
-------------------
بقلم: عبدالغنى عجاج

مقالات اخرى للكاتب

عجاجيات | الرقص فى المترو